كتاب الموقعمقالات مختارة

كتب ميخائيل عوض | بين مصر وتركيا تقاطعات وازمات طاحنة واختلاف بالخيارات. 5/2

ميخائيل عوض | كاتب وباحث

المعجزة الاقتصادية التركية التي فاخر بها اردوغان وحزبه تكشفت على حقيقة انها ليست سوى فقاعة اقتصادية تم تمويلها بالديون من كتلة المال العالمية الساخنة وبنتيجة بيع القطاع العام واصول الدولة التركية بالبخس من الاسعار وبمنسوب فساد هائل والتهمة على العائلة واركان الحزب ومؤسساته.

تراجع نفوذ تركيا وانكسر المشروع العثماني وتتالت الخسائر في العرب من ليبيا الى تونس والسودان والعراق وسورية واسيا الوسطى وفي كره باخ وكازخستان وفشلت التحرشات بإيران عبر اذربيجان.

وبدأت تعصف بتركيا ازمة اقتصادية اجتماعية مالية بنيوية عصية عن الاستيعاب والمعالجة ويصعب الخروج منها الا بتغيرات جوهرية في النظام والتشكيلة الاقتصادية وبابتداع دور وظيفي جديد لتركيا، في واقع ينذر بتصاعد الانقسامات العامودية والشروخ الحادة التي عمقتها السياسات الاردوغانية خلال عقود توليها السلطة.

فالصراع العلوي السني على اشده، والعلماني الاسلامي ملتهب، والأوروبي الاسيوي والاخطر الكردي التركي، واذا سجل لاردوغان انتصاره في الانتخابات الرئاسية بفارق ١% وبنتيجة دور السلطة والقانون وعجز المعارضة وأخطائها وبسبب الدعم الكبير الذي انهمر على اردوغان من ايران وروسيا وقطر والسعودية والامارات ومن الاطلسي والاثمن من بوتن وهداياه شبه المجانية من النفط والغاز والقمح والسياحة، وقد اسهم بنجاحه اغداق الاموال والوعود الارتجالية على الناخبين والموظفين والاجراءات الارتجالية وغير الاقتصادية للحد من انهيار العملة التركية وقد نجح بوقفها عند ال١٨ مقابل الدولار، ثم ما لبثت ان انهارت وتتحفز لقفزات انهياريه جديدة بعد نفاذ فترة السماح واختبار الحكومة الاطلسية بأكثريتها التي شكلها اردوغان في محاولة لشراء رضا الاطلسي والاتحاد الاوروبي وقد اهدى الاطلسي تراجعه عن اشتراطاته لقبول دولة السويد في الاطلسي. وافرج عن قادة ازوف النازيون وثبت تورط تركيا بتهريب الاسلحة والذخائر لأوكرانيا ما دفع ببوتن لوقف اتفاق القمح الذي كان بمثابة هدية بوتينية لاردوغان، كما رفض مكالمته هاتفيا مرات.

اذن؛

تركيا التي اعدت مع حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان لتكون دولة الاسلام السني المعتدل لبز ايران ولاحتواء السنية المسلحة بأطرافها الثلاث الوهابية والاخوانية والسلفية، والتي امدت بالأموال الساخنة لتصويرها معجزة اقتصادية وتم اعاشتها لتعظيم قطاعات الاستهلاك، وبعد عقدين ونصف من هيمنة حزب العدالة والتنمية، واثر استنفاذها لدورها الوظيفي، واستهلاك قدراتها ومكانتها، دخلت طور ازمة هيكلية وبنيوية تتجسد في استنفاذ دورها الوظيفي واستهلاك بنيتها المجتمعية والاقتصادية ومكانتها الجغرافية والسياسية، في مغامرات وبهلوانية سياسية وانتهازية موصوفة، وتعصف بها ازمة اقتصادية عميقة جدا تتمظهر بأزمات مالية ومصرفية وانهيار العملة والتضخم الحاد مترافقة مع ركود قاتل، ما يرشحها لان تكون الحدث الاقليمي والعالمي الاهم والاكثر خطورة من الحرب الاوكرانية والحرب السورية العراقية والليبية، وتضعها الازمة الفتاكة والتي لا مخرج منها الا بتغير حدي في البنية والتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، وهذه يستحيل تحقيقها مع حزب العدالة والتنمية وبقيادة اردوغان نفسه، وفي سياق الفوضى العالمية الجارية والمخاض لتوليد العالم الجديد تبدو تركيا اهم واكثر ضحاياه وليس لدى تركيا الكثير من الخيارت لاحتواء ازمتها وتجديد بنيتها وعصرنتها وتغير حدي في نظامها وفي سياساتها.

فالفالق بين الاطلسي واوراسيا كبير وعميق ولم يعد من جسور او حبال للرقص عليها والمناورة، ومطلوب من تركيا ان تحسم شرقا او غربا، خاصة بعد  غيرت مصر والسعودية اشرعتها وعززت ايران علاقاتها باوراسيا الصاعدة، وليس لاردوغان والسلطة ان تحتوي الازمة الاقتصادية في عالم مأزوم ومضطرب وتحوم مخاطر افلاس النظام الرأسمالي الليبرالي، ويؤدي رفع الفائدة على الدولار واليورو الى احراج تركيا بل تسريع تأزيمها فالأموال الساخنة تضرب وتهرب وانتهت ضربتها في تركيا وتشد رحيل الهروب، وقد يزيد من تفاقم العجز والازمة ان حزب العدالة واردوغان باع القطاع العام والاصول وانفق الاموال على قطاعات الاستهلاك والفساد والشفط والقطاعات التي انتعشت مع فقاعة اردوغان هي قطاعات خدمية سرعان ما تتأثر بالأزمات كقطاع السياحة والمقاولات والصيرفة والبنوك، وتمويل الانتشار العسكري الواسع، والاخطر ان الميزان التجاري مختل بشكل فاضح في غير صالحها فتصدر ب٢٥٠ مليار دولار بينما تستورد ب٣٥٠ مليار، وحجم ديون القطاع العام والخاص مهولة، وتمويل الاستهلاك بالديون ومع انهيار العملة الوطنية والاجراءات التي اتخذها اردوغان قبل الانتخابات تحمل القطاع المصرفي اعباء لن يستطيع مواجهتها، وزيادة الصادرات مستحيل مع ارتفاع كلف الانتاج والمنافسة وازمة الركود العالمية المترافقة مع ازمة التضخم، ولم يعد لتركيا من فرص لنشر قواعد وقوات عسكرية لتامين السيطرة والنهب ومنافسوها باتوا اشداء كما في ليبيا والسودان وتونس والاخريات العربية وفي اسيا الوسطى الناطقة بالتركية، فمن اين يأتي المدد…؟؟

انتهت الازمات التي عامت عليها تركيا كاستثمارها بغزو العراق وبكردستان العراق وبالحصار لإيران وبالحرب السورية ونهب الاموال والنفط والمصانع وتتريك ادلب والشمال السوري، وغزو ليبيا وسيطرة الاخوان على تونس والسودان، وفي اسيا لوسطى المنافسون كبار ولا يمكن خديعتهم كإيران والصين وروسيا، وتبدو قطر في عجز عن تامين تركيا ووعود السعودية والامارات كلام لتامين اردوغان في الانتخابات وقد انتهت مفاعيلها.

زمن الاردوغانية قد نفذ، وزمن تركيا الناتجة عن معاهدة لوزان قد انتهى والمئة عام عمر طويل للدول والامبراطوريات كما في اعراف الانثربيولوجيين والمؤرخين وعلى رأسهم ابن خلدون.

والعالم يتغير ويتخلص من تركة ونواتج الحرب العالمية الاولى والثانية والحرب الباردة فتكون تركيا في عين العاصفة…

ماذا عن ندها التاريخي مصر وازماتها واين تفارق الخيارات…؟؟؟

…/ يتبع

غدا؛ مصر ما لها وما عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى