وجهة نظر في استعادة الشعوب التي دمرتها العولمة ، وسلب الفساد فكرها المنطقي . مراجعة تاريخية9

ملهم ابو زامل | باحث فلسطيني في الشؤون السياسية والإستراتيجية

بدأ هدم القيم والثوابت داخل العقل العربي يأخذ مداه من خلال الاعلام والانترنت ، ولاول مرة في تاريخ الاعلام العربي بتنا نرى على شاشات التلفاز خصمين يطرحان افكارهما ، ومذيع محترف يدير الحوار بينهما ، احدهما صهيوني اسرائيلي ، والاخر عربي . فكانت هذه البرامج الحوارية هي بداية التطبيع مع العدو ، وجعل المواطن العربي يرى ان هذا الحوار او الجدال او النقاش امر طبيعي لا غرابة فيه . كانت هذه المحطات الفضائية تجعل العدو يتسلل الى عقول شعوبنا ، ليبث افكاره المسمومة بشكل بطيء فيها ، خاصة اذا كان الطرف العربي المحاور أضعف بيانا من الطرف الاسرائيلي ، وكان يطلق على هذه البرامج اسماء لعبت على المشاعر الانفعالية ، وشعور المواطن العربي المقموع والمحكوم بالقبضة الامنية ، الذي يتوق الى حرية التعبير عمايجول في داخله من هموم واوجاع ، فرأى فيها متنفسا ومكانا يشعر فيه بالانعتاق من كل خوف .
وحصدت هذه البرامج ملايين المشاهدين من كل اقطار الوطن العربي . كانت ايضا هذه المحطات تبث برامج وثائقية احترافية يخالطها الكثير من الاخطاء التاريخية ، وتزوير الحقائق معتمدة على الصورة والصوت والوثائق المنتقاة بعناية كأدلة على ماتريد زرعه في الفكر العربي التواق لتصديق ما يوافق مزاجه ، لعدم صبره على البحث عن الحقيقة في بطون الكتب والمراجع ، ولأن العربي يحب ان يصدق ماتهواه نفسه وماتحلم به مخيلته دون تدقيق في صحة الخبر او التقرير ومايشوبه من مغالطات تاريخية ، بل صارت هذه البرامج مرجعه ودليله فشكك بما سواها وكذب ما يطرحه غيرها ، بل وصارت بالنسبة له قرآنا او كتابا سماويا غير قابل للجدل والنقاش ، وصار الشخص الذي يخالف ماورد في تلك البرامج جاهلا مهما كان يحمل من ثقافة حتى اذا كان اختصاصيا في علم التأريخ والامم والاحداث.
ايضا لا يمكن ان نغفل التوجه لدى الكثير من القنوات الفضائية ، الى البرامج الدينية الدعوية التي ايقظت فتنا نائمة عفا عليها الزمن ، وعملت على تعريف المشاهد بالطوائف المختلفة التي لم يكن يسمع باسمائها قبلا لانه يتمتع بالفطرة السليمة ، فطرة المواطنة ، وبثت برامج كاملة للتعريف بكل طائفة مع تعليقات من اشخاص طائفيين على ايمان تلك الطائفة او خروجها عن الطريق القويم ، فكان ذلك بداية تقسيم المجتمعات العربية وبداية قتل الالفة والمحبة بين اطياف المجتمع .
ناهيك عن ذكر العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل جاهدة لتحقيق جميع الاهداف ذاتها التي تعمل عليها هذه المحطات الفضائية المحترفة بدعم اختصاصي استخباري غربي وتمويل عربي من دول الرجعية العربية.
بعد موجة الحروب المتعددة التي شهدتها حقبة التسعينات والالفية الجديدة ، انتشرت داخل الوطن العربي منظمات غربية لبست لبوس الانسانية ، وغطت انيابها ومخالبها بالقالب الانساني ، فاختارت مساعدين لها وعاملين معها من الشباب العربي المبدع والذكي والنشيط ، الذي يحمل طاقة لم تستطع الحكومات العربية استغلالها وصرفها لمصلحة الاوطان ، فكانوا الفريسة السهلة لتلك المنظمات الانسانية التي لم تكن سوى منظمات مخابراتية تعمل لتجهيز هؤلاء الشباب الى اليوم الموعود الذي تنطلق فيه شرارة التخريب والتفتيت والتدمير لبلدان الوطن العربي ، وهذا لا يعني بالضرورة ان هؤلاء الشباب كانوا يعرفون حقيقة المنظمات التي يعملون معها لكنها استطاعت ان تستغل طاقاتهم وثوريتهم وحماسهم وتوقهم للحرية استغلالا دنيئا سوف يدمر العقل والفكر الشبابي العربي ويغير قناعاته ويحرف بوصلته عن العدو الحقيقي للامة ، العدو الصهيوني ومظلته الغربية والامريكية.
في هذا الوقت كانت الاجهزة الامنية الفاسدة في الدول العربية تغض الطرف عن كل هذه الاختراقات داخل المجتمعات العربية ، وكانت الحكومات منشغلة بنهب ما امكنها من مقدرات الدولة وامكاناتها بدلا من ان تعمل على رسم خطط تواجه فيها المتغيرات الكبيرة التي اتت بها الثورة الرقمية ، وظل القمع وكم الافواه اسلوبا متجذرا لدى الاجهزة الامنية بدلا من توجيه الحكومات لاستغلال الطاقات الشبابية عصب كل امة وركيزتها.
وكذلك غضت النظر عن تحركات تلك المنظمات الانسانية المخابراتية ونشاطاتها ، لان تلك المنظمات كانت تغدق عليها العطايا والرشى ، او لانها اصلا لم تكن على قدر من الحرفية لاكتشاف حقيقة تلك المنظمات ، لانشغالها بالقمع وكم الافواه والبحث عن المكاسب ونهب ثروات الاوطان.
يتبع في الجزء الثاني عشر.